كتب السيّد محمد العبد الله ابن محافظة ديرالزور والذي يشغل منصب مدير المركز السوري للعدالة والمساءلة, على حسابه الشخصي في فيسبوك وبمناسبة عقد مؤتمر تروّج له روسيا ونظام الأسد بهدف الضغط على الدول الأوربية ودول العالم لإعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا. كتب جزءاً من مذكّراته الشخصية قائلاً:
رايح ومش راجع …
عام 2007 غادرت سوريا إلى لبنان… بعد تجربتي سجن عام 2005 وعام 2006. مريت فيهما على سجن عدرا مرتين، وعلى سجن صيدنايا مرة، على فرع الأمن السياسي بالفيحاء وعلى أمن الدولة بكفرسوسة (إدارة المخابرات العامة)…
أول مرة محكمة عسكرية وثاني تنقلت فيها بين محكمة أمن الدولة، ثم محكمة الجنايات ثم المحكمة العسكرية بالأخير… المهم تحاكمت محاكمة عسكرية مرتين (رغم أني مدني) وصرت “محكوم” وعمري 21 سنة فقط. التهمة طبعا إياها… إضعاف الشعور القومي في زمن الحرب…
لما طلعت من سوريا كان أخي عمر بصيدنايا عم يتحاكم محكمة أمن دولة (انحكم 5 سنوات بالأخير) وكان والدي علي العبد الله مفرج عنه مؤخراً ورجع اعتقل بديسمبر 2007 مع “إعلان دمشق” وبقي بالسجن لبداية الثورة وأفرج عنه أيار 2011.
أنا وبلبنان قررت ما ارجع على سوريا… حسيت هيك أنه البلد ضاقت علينا. ما النا مكان فيها غير بالسجن. إجت أمي الله يرحمها زارتني ببيروت وقالت لي لا ترجع، الأمن عم يسألوا عنك كثير. وما كان معي أوراق ولا جواز سفر كوني ممنوع من المغادرة بسوريا واخذت اذن لسفرة واحدة وشبه عالق بلبنان.
خلال فترة إقامتي بلبنان كان موضوع التدوين كثير نشط بالعالم العربي (مصر وسوريا ولبنان وتونس وغيرها). عملت مدونة وشاركت فيها آرائي… سميتها رايح ومش راجع… حرفياًَ. يمكن كان أكثر شي براسي وقتها… كيف ممكن “هج” من الواقع يلي اصطدمت فيه ولسا بأول شبابي.
كان وقتها شلة حزب الله عم يسخروا من شعارات 14 آذار تبع راح نبقى هون I Love Life ويعملوا شعارات مسخرة مثل “رايح حشش، I love Life” . لقيت شعار رايح ومش راجع لأني أحب الحياة. كثير لذيذ وفيه معنى أعمق من سخرية الجماعة… استخدمته لمدونتي وكان قراري بالمغادرة بلا عودة (الرابط للمدون هنا ).
المهم، بعد 15 شهر انتظار مع مفوضية اللاجئين وصلت على الولايات المتحدة. بدأت الثورة بسوريا بعد شي سنة وشوي. عملت يلي بقدر عليه لساعد الناس تحكي. الثورة جددت أملنا جميعاً بالعودة. لكن واضح اليوم أنه مافي عودة، أو على الأقل عودة قريبة…
أكيد وضع الناس مختلف ومتباين كثير. يلي وصل على مكان فيه احترام لكرامته وحياته ما راح يرجع، أو ما راح يرجع حالياً على الأقل، حتى الموالين وشلة بشار الأسد. ما حدا بيرجع على محل تنهان فيه إنسانيته على دور الخبز والبنزين والدوا والمستشفى ليشوف مدام فاتن ومثيلاتها تقلعه وتهين كرامته… على مكان أولاده ما فيهن يعيشوا حياة معقولة ولا يحصلوا على تعليم أو صحة أو غيره.
لكن يلي ظروفه ونزوحه صعب ومقيم بخيمة أو بمخيم بوضع صعب وقاسي وتمر عليه السنين بشتاءها وصيفها… هذا وضع ثاني تماماً. ممكن يكون مستعد يرجع اذا بيقدر لكن أكيد ما بأمن النظام السافل ما يعتقله ويتحول لصورة وذكرى. ومع ذلك، عدد النازحين بظروف قاسية مثل لبنان والأردن أو حتى داخل سوريا جداً مرتفع وما حدا عم يرجع على “حضن الوطن” إلا بأعداد قليلة.
بعيداً عن السخرية من المؤتمر، نجح بشار الأسد بتحويل سوريا لمكان “الخارج منه مولود” كما تقول الأغنية… ما حدا بده يبقى فيه ولا يرتبط فيه حالياً ولا يرجع له. حتى الموالين وأهاليهم إذا بيقدرو يطلعوا ما بيترددوا.
لكن ومع ذلك ما عنده أي مشكلة يكون صفيق ووقح كثير ويعمل مؤتمر يطلب من الناس ترجع فيه… رغم أنه ممكن يعتقلهن أو يموتوا تحت التعذيب أو الجوع أو الإذلال.
واضح أنه مشكلة الناس ليست مع المؤتمر أو مع الدعوات للعودة… مشكلتها أنها بدها تعيش حياة بشر فقط مو أكثر، حياة كالحياة!
#للحديث_تتمة