This post is also available in: English
يندرج تنظيم داعش ضمن خانة التنظيمات المسلحة الأصولية التي تؤمن بالتتغير العنفي (تنظيم مسلح يتخذ الاسلام شعارا ), وقد أطلق عليه الكثير من علماء المسلمين وأصحاب العرف الشرعي صفة “الخوارج” لما له من منهجيات وسلوكيات تشابهت الى حد التوأمة مع صفات جماعة الخوارج الذين ظهروا بعد وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم و عرفهم البعض بأنهم:(طائفة عندها غلو، مجتهدة في الدين عندهم اجتهاد في الصلاة والقراءة وغير ذلك، ولكن عندهم غلو، يكفرون أهل المعاصي لشدة غلوهم يرون من زنى كفر، من شرب الخمر كفر، من عق والديه كفر، يكفرون بالذنوب، قال فيهم النبي – صلى الله عليه وسلم-: (يمرق مارقة على حين… من المسلمين يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وقراءته مع قراءتهم، يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون إليه)، هؤلاء هم الخوارج عندهم تنطع، إذا قرأ تعجبك قراءتهم إذا صلوا تعجبك صلاتهم ولكنهم عندهم غلو في تكفير الناس، يرون من زنى كفر من سرق كفر، من شرب الخمر كفر، فلهذا قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد، فإنه أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم)
في عام 2004كان تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين قد أعلن وجوده في العراق تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي الذي كان مبايعاً مسبقا لأميرالقاعدة أسامة بن لادن , استمرالزرقاوي بقيادته للتنظيم لمدة سنتين ليقتل بعد وقت قصير, بعد مقتل الزرقاوي في حزيران 2006دب الخلاف بين تيار الصقور الذي كان يمثله الزرقاوي وبين تيار القاعدة التقليدي, توسع الخلاف الذي أدى إلى تفكك تنظيم بلادالرافدين بعد مقتل أبو حمزة المهاجر, مماهيئ المرحلة لولادة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق بقيادة أبو بكر البغدادي والذي كان فاراً من سجون المالكي حديثا .
بدت الأفكار الي يحملها تنظيم الدولة في العراق مختلفة عن أفكار القاعدة, وجه الخلاف كان هدف التنظيم لإقامة خلافة اسلامية بكافة مفاصلها وركائزها وتسمية خليفة المسلمين على حسب زعمهم وهوأبوبكرالبغدادي .
ظل تنظيم داعش في العراق عدة سنوات يرتب أوراقه ويجمع العناصر ويؤسس منهجيته في العراق, بقي مغموراً منذ تشكيله في عام 2006 وحتى 2013ليبرز بشكل كبير في سير الأحداث في مراحل الثورة السورية ضد نظام الأسد في سوريا. حيث أوعز للتنظيم لدخول سوريا في عام 2013 أي بعد عامين من انطلاق الثورة السورية وتحريرقسم كبير من الأراضي السورية على يد الجيش السوري الحر*
كانت محافظة دير الزور شرق سوريا الوجهةالأولى للتنظيم, نظراً لموقعها الحدودي مع العراق ولما تمتازبه المحافظة من ثروات طبيعية كالنفط والغاز الطبيعي والتي تعتبر مصادر تمويل ذاتية لأي فصيل أو حتى على مستوى دول. لم يجد التنظيم في دير الزور الحاضنة المطلوبة لتحقيق أهدافه بالاتساع والنمو ,ليتجه نحو الرقة ويسيطر عليها بشكل كامل ويعلنها عاصمة له وتكون نقطة انطلاق لشن هجماته اللاحقة, بعد أن وطد التنظيم سيطرته على الرقة اتجه نحو ديرالزور لتحقيق مطامعه فيها, في الشهر السابع تموز2014وبعد معارك طاحنة خاضها التنظيم مع ثوار دير الزور الرافضين له استطاع السيطرة على المحافظة وضمها إلى مناطق سيطرته ووضع يده على جميع المرافق الحيوية وحقول النفط والغاز الطبيعي في المحافظة, ليقوم بعدها بالتوجه نحو الحسكة ويستولي على المناطق الغنية بالآبار النفطية في ريف الحسكة .
كانت معركة الموصل منعرجاً مفصلياً في بنية تنظيم داعش لما اغتنمه التنظيم من أموال وعتاد وسلاح من الجيش العراقي هناك, استطاع التنظيم وبعد معارك حيرت جميع المراقبين والخبراء العسكريين بعد أن دحر التنظيم بجنوده الذين لايتجاوزون الألف جندي الجيش العراقي المتواجد في الموصل والمجهز أمريكاً بقوامه الذي يتعدى عتبة الأربعين ألف مقاتلاً, استطاع التنظيم الذي أصبح يسمي نفسه “تنظيم الدولة في العراق والشام” أن يستولي على مبالغ مالية تركت في الدوائر العامة في الموصل قدرت ب 500مليار دينار عراقي أي مايعادل 500مليون دولار أمريكي, والاستيلاء على السلاح الأمريكي الذي تركه الجنود العراقيين بأكمله وفروا ويقدر بقيمة مليار ونصف دولار أمريكي حسب قوائم أصدرها الجيش الأمريكي بعد سيطرة داعش على الموصل .
جرت عدة معارك تكاد تكون وهمية بين تنظيم داعش وجيش الأسد تبادل الطرفين السيطرة على مدينة تدمر الأثرية في البادية السورية , على أثر كل معركة كانت قوات الأسد تنسحب من المدينة مخلفة وراءها مخازن الأسلحة والعتاد والسلاح الثقيل, كما عمل التنظيم على نهب الثروة الحضارية الأثرية لمدينة تدمر وبيعها لمهربين بملايين الدولارات اضافة لاستباحة المواقع الأثرية في دير الزور وبيع أثارها أيضا لتكون الآثار أيضا أحد مصادر التمويل للتنظيم .
كان لتنظيم داعش أثراً كبيراً في ضرب مكتسبات الثورة السورية في كافة مناحيها متخذاً من ديرالزور والرقة مركزاً إدارياً لدولته المزعومة في العراق والشام والتي باتت في عام 2015 تمتد من الريف الشمالي لحلب وحتى الموصل في العراق باستثناء عدة أحياء والمطار العسكري في ديرالزور ظلت تحت سيطرة قوات الأسد وعجز التنظيم عن تحريرها.
استهدف التنظيم الثورة بأطيافها العسكرية والمدنية حيث أطلق على الجيش الحر صفة الصحوات وأباح دمائهم واستهدف عناصر الجيش الحر قبل القيادات وعمل على مطاردة كل مدني له تأثير في الثورة السورية تحت تهم كانت موضوعة في قوالب تشريعية سنها شرعيو التنظيم.
استخدم تنظيم داعش الدين في تحقيق أكثر من غاية, بداية استخدم الدين للسيطرة على عقل الشباب السوري الثائر والمظلوم, استهدف التنظيم الأعمار الصغيرة من المكون العربي المسلم السني في المنطقة, وعزف على الوتر العاطفي لدى الشباب, كان المنهج الداعشي مدروس ومخطط بحنكة واتقان ليكون الملجأالوحيد الذي يزود اتباعه بالقوة والنفوذ والممزوجة بالأجر الدنيوي والجزاء النهائي بدخول الجنة التي يضمنها لهم, فكثر التنظيم من سواده عن طريق تجنيد هؤلاء الشبان الصغار أضافة إلى استخدام الشريحة التي كانت مغمورة اجتماعيا لأسباب متنوعة كاعتماده على شريحة كانت تعرف بتعاطي المخدرات والحشيش حيث قام التنظيم بتحسين أوضاعهم فأعطاهم السلطةوالمناصب والنفوذ .
استخدم التنظيم الدين أيضا كسياط يجلد به كل من يشكل خطرا على وجوده, فالمعاناة التي تشكلت لدى أهالي ديرالزور والرقة والريف الحلبي نتيجة سفك دمائهم من عناصر التنظيم وأمرائه خير شاهد على غطرسة التنظيم تحت ذريعة الدين, إذ يعطي التنظيم صبغة دينية متمثلة بفتاوى أنكرها جميع علماء المسلمين في الوسط الإسلامي التشريعي لإزهاق الأرواح كتنفيذ العمليات الإنتحارية وسط التجمعات المدنية والتي تودي بحياة عشرات أو مئات الأرواح في كل مرة, اضافة الى تكفيرالناس بتهم غير موجودة في النصوص الأسلامية أنها تدين صاحبها بالكفر ومعاقبة صاحبها بالقتل في أغلب الأحيان .