تعتبر المرأة الركيزة الأساسية لأي مجتمع، ويعدّ دورها فيه دوراََ رئيساََ لا يمكن الانتقاص منه بأي حالٍ من الأحوال، حيث يترتب على المرأة عدة مهام من شأنها تشكيل هوية المجتمع وبناء أعمدته.
أولى وأهم هذه المهام, هي تربية الأطفال ونشأتهم، الأطفال الذين سيكونون بعد وقت قريب لبنات المجتمع، وهنا يبرز دور المرأة جلياً، فإذا كانت المرأة مؤهلة بشكلٍ جيدٍ لتنشئة الأطفال وبناء منظومة القيم والأفكار لديهم، فسوف يتم رفد المجتمع بنخبٍ ترتفع بالمجتمع إلى أعلى المراتب، ونقيض ذلك في حال لم تكن المرأة مؤهلة فسوف تكون تربيتها للأطفال هشّة، وسوف يكون تقديما عبارة عن أطفال غير مؤهلين ثقافياً وفكرياً واقتصادياً، وبالتالي تزيد المجتمع بأعباء على أعبائه.
في مجتمع ديرالزور، برز دور المرأة بشكل واضح خلال العقود الماضية، فكان للمرأة المتعلمة دوراً رائداً في المجتمع المحلي, من حيث رفده بخامات مميزة تعزز من مكانته بين المجتمعات الأخرى، وقد برز دور المرأة الديرية جلياً في مراحل الثورة السورية، إذ رافقت الرجل يداً بيد وخطوة بخطوة في أغلب مجالات ومراحل الثورة، فكانت حاضرة في ميادين التظاهر السلمي، بإيمانٍ منقطع النظير بضرورة التغيير، فنظام الأسد صادر الحياة في سوريا لأكثر من خمسين عاماً، فكانت المسعفة أثناء الإصابات، وكانت المنسقة للتظاهرات، وكانت الشاعرة والأديبة والمرشدة والداعم نفسياً ومعنوياً، بالإضافة لكونها الأم.
ومع الأجندات التي جاءت دخيلة على الثورة السورية، برز دور المرأة الديرية المثقفة بشكلٍ أكبر من خلال التصدي لهذه المشاريع المستهدفة للمجتمع بالدرجة الأولى، خصوصاً أنّ محافظة ديرالزور كانت مستهدفة بشكلٍ مباشر من قبل أصحاب هذه المشاريع، كدخول فكر القاعدة وتنظيم داعش ومن بعدها الميليشيات الإيرانية إلى المجتمع، حيث شغلت المرأة الديرية دور خط الدفاع الأول لهذه المشاريع الفكرية التي تستهدف المجتمع.
أم أحمد، إمرأة من ديرالزور، تحكي تجربتها خلال سنوات الثورة السورية، والصعوبات التي واجهتها في الحفاظ على أولادها من الانخراط في المشاريع المتطرفة التي طرأت على مجتمع ديرالزور، تقول أم محمد:
“منذ أيام الثورة الأولى، كنا كعائلة قلباً وقالباً مع هذه الثورة التي قامت ضد نظام الأسد والظلم الذي كانوا يمارسونه منذ عشرات السنين, فكنتُ لا أوفّر أي دعم أقدر عليه، وكنت أحثّ أولادي على التظاهر، وأخرج أنا أيضاً في المظاهرات في بعض الأوقات، ولمّا انتقلت الثورة من مرحلة السلمية إلى التسلّح، حاولت منع أولادي من الإلتحاق بالجيش الحر رغم إيماني بأنهم على حق وأنهم اضطروا لحمل السلاح للدفاع عن المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ, كان إيمان ابني البكر أحمد أكبر من خوفي عليه، التحق بصفوف الجيش الحر أواخر عام 2012، وبقي في صفوفه حتى عام 2014، حيث سيطر تنظيم داعش على ديرالزور، وهنا كان علي التدخل، حتى لاينجرف أحمد بهذا السيل الذي لاتعرف عقباه، بعد محاولات مني ومن والده بإقناعه، تمكنت من اصطحابه والخروج من ديرالزور إلى حلب فإدلب، وها نحن اليوم في تركيا، وأحمد اليوم يدرس في إحدى الجامعات التركية، ولا يزال إيماننا بالثورة على ماهو لم ينقص بل زاد، لكننا لا نزال على أمل أن ينصرالله هذه الثورة لأنها ثورة حق”.
يعبر حال أم أحمد عن حال مئات بل آلاف الأمهات السوريات، اللاتي استطعن من خلال إمكانياتهم الثقافية والفكرية والإقتصادية من الحفاظ على أولادهنّ من مخاطر غزوٍ فكريّ أودى بحياة آلاف الشبان من سوريا ودير الزور على وجه الخصوص.
منذ عام 2012 ، تعرض المجتمع السوري لهجمات شرسة، استهدفت بشكلٍ مباشر الأسرة، وكانت على رأس أولويات تلك الهجمات هي تفتيت المجتمع وإحداث تغييرات جذرية فيه ليسهل عليهم السيطرة عليه، وهنا لابد أن نذكر أنّ تنظيم جبهة النصرة أولاً فحركة أحرار الشام ثانياً فتنظيم داعش ثالثاً فالميليشيات ذات الطابع العقائدي الطائفي كما هو حال الميليشيات العراقية واللبنانية والإيرانية، حيث تتشابه التنظيمات السابق ذكرها مع بعضها من حيث اتخاذها الآيدولوجية الفكرية ركيزة أساسية لمشاريعها في استقطاب الشبان، وهنا كان للمرأة الدور الأساسي في المجابهة أو الاستسلام لهذه المشاريع، وكان تحديد الموقف يعتمد على مقدرات المرأة وتمكينها الثقافي والإجتماعي والفكري والإقتصادي بل وحتى السياسي، فالمرأة ذات القدرات المعقولة أو الجيدة، كانت سنداً للمجتمع في مجابهة الأفكار الدخيلة عليه، أما المرأة الفاقدة للتمكين، فكانت جسر عبور مريح لهذه المشاريع، من خلال تقديمها لأولادها كأدوات تنفيذ لهذه المشاريع مع غياب الفكر والقدرات التي تمكنها من تمييز الصواب عن الخطأ.
لايمكن إغفال دور المرأة في المجتمع أو حتى الإنتقاص منه، فدورها يماثل دور الرجل إن لم يزد عليه، فهي المدرسة الأولى والمنارة والبوصلة التي تحدد مسير الناشئة الذين يكونون المجتمع ويشكلون هويته.