فرضت الظروف الراهنة على نساء دير الزور تحمّل مسؤوليات وأعباء كبيرة في رعاية وإعالة أسرهنّ، جراء التقلبات الاقتصادية التي شهدتها المنطقة أو فقدان المعيل من أب أو أخ أو زوج أو ابن.
فأصبحت كثيرات منهنّ معيلات لأسرهنّ حيث اضطررن للخوض في مجالات العمل المتنوعة في ظل غياب رب الأسرة، بسبب الوفاة أو الهجرة أو الالتحاق بالخدمة الإلزامية أو الاختفاء القسري أو غيرها من الأسباب.
“أصبحتُ الأب والأم في آنٍ معاً” بنبرة تملؤها الحزن تصف خولة السيد عمر (45 عام) من بلدة الزر شرق ديرالزور حالها اليوم بعدما فقدت زوجها في قصف للطيران منذ قرابة الخمس سنوات، حيث تستيقظ في الصباح الباكر وقبل أن تنزل إلى الحقل، لتنجز مهماتها المنزلية من تنظيف وترتيب وإعداد الفطور لأطفالها الصغار ثم تذهب إلى عملها الشاق الذي لا ينتهي على حدّ وصفها لتعود إلى منزلها بعد أن أنهكها التعب.
تقول خولة لدير الزور 24 “وجدت نفسي فجأة مسؤولة عن سبعة أطفال أجبرتني الظروف على النزول إلى الحقل والعمل في الزراعة والحراثة، فهذا العمل الوحيد الذي أتقنه فأنا لم أكمل دراستي ولا أملك شهادة تؤهلني للعمل في أي مجال “.
وتضيف ” المعونات قليلة جداً والسلل الغذائية بالكاد بتنا نراها وهي قائمة على المحسوبيات وتلعب الواسطات بتوزيعها دوراً كبيراً، ليس لدي ما أستند عليه أدعو الله أن يبقيني بصحة جيدة لأعمل بشكل يومي فاليوم الذي لا أعمل فيه لا أحصل فيه حتى على ثمن كسرة خبز لإطعام أطفالي”.
ففي أحيان كثيرة تضطر النساء المعيلات للتكيّف مع الظروف الاقتصادية إلى تقليل النفقات للحد الأدنى من خلال تقليل عدد وجبات الطعام، أو التقليل من نوعية الطعام ولمواجهة غلاء آجارات السكن، تضطر الكثير من الأسر للإقامة في مساكن تفتقر للحد الأدنى من الشروط الصحية، أغلب النساء يشعرن بالخوف من المستقبل المعيشي ويرافقهن هاجس عدم الاستقرار الذي يزيد من صعوبة التخطيط للمستقبل.
“لا نملك دائماً قوت يومنا، في كثير من الأحيان لا نملك سوى الزيت والزعتر وينام أطفالي دون عشاء” بهذه الكلمات تبدأ نورية المحمد (38 عام) من مدينة البصيرة بريف ديرالزور الشرقي حديثها لدير الزور 24، إذ أصيب زوجها بإعاقة دائمة وأصبح مقعداً نتيجة إصابته بشظية في العمود الفقري، تقول نورية لدير الزور 24 ” أصبحت مسؤولة عن عائلتي، لدي أربعة أطفال، أعمل حالياً في الخياطة فهي المهنة الوحيدة التي تعلمتها من والدتي وأتقنها منذ الصغر”
وإضافة لغلاء المعيشة تعاني نورية أيضاً من مشكلة غلاء آجار البيوت ممايضطرها لتغيير السكن بشكل مستمر، بحثاً عن الآجار الأرخص، حتى لو لم يكن صحياً
و تتابع وهي تعمل على ماكينة الخياطة “عملي متعب جداً وأكثر ما يثقل كاهلي هو غلاء آجار السكن، كل مايهمني الآن هو أن يكمل أطفالي تعليمهم وأن لايضطروا للعمل مثلي من أجل تأمين لقمة عيشهم”.
تتنوع المجالات التي تعمل فيها النساء اليوم، حيث تتوزّع بين التعليم والعمل الإنساني والطبي، إضافة إلى الزراعة، كما لوحظ إقبال النساء بشكل واسع على برامج التدريب المهني ونشطت المنظمات التي توفر التدريبات في مجالات الإعلام والخياطة والتمريض وغيرها.
جيهان الخلف من مدينة الصور بريف ديرالزور الشمالي (30 عاماً) اعتقل والدها وأخوها من قبل نظام الأسد منذ سبع سنوات، تمضي معظم وقتها في عملها في مشفى الصور، حيث بدأت العمل بالتمريض بعدما التحقت بدورة تدريبية لدى منظمة “معاً لأجل ديرالزور” تقول جيهان لدير الزور 24 “والدتي مريضة ولاتقوى على العمل واخوتي صغار أصبحت أنا وأخواتي فاطمة وبراءة معيلات للأسرة أنا أعمل بالتمريض وأختي فاطمة بالخياطة وبراءة بالتطريز “عملي متعب جداً لكني سعيدة بهذ العمل، فأنا أساعد عائلتي والمرضى والمحتاجين “وتتبسم قائلة ” يكفيني أننا لا نحتاج لأحد وأن عملي إنساني”.
أما الناشطة سوزان الحمّاد من مدينة هجين شرق ديرالزور (27 عاماً) والتي فقد زوجها عمله فاضطرت للبحث عن عمل من أجل لقمة العيش، حيث التحقت بدورة تدريبية في مجال الصحافة والإعلام، فتعلمت بوقت قصير جداً مبادئ التصوير و كتابة التقارير الصحفية.
تقول سوزان لدير الزور 24 ” أحب مهنتي كثيراً، رغم ماتحمله من متاعب، يكفي أنني لست بحاجة لأحد فأنا اعتمد على نفسي، الحياة صعبة لكني ورغم كل شيء امرأة قوية جداً وأملك روح التحدي” وتتابع ” حتى لو عاد زوجي لعمله فأنا لن أترك العمل لقد وجدت نفسي هنا”.
تنتشر ظاهرة النساء المعيلات في ديرالزور بشكل كبير في الوقت الراهن، كما أنهنّ يواجهنّ ضغوطاً يومية من أجل كسب لقمة العيش وتأمين احتياجات عائلاتهن من غذاء ومأوى إضافة إلى قلة فرص العمل وتدني الأجور، وهو صراع جديد تخوضه نساء المنطقة في وجه الجوع والعوز ومن أجل الكرامة والبقاء والحرية، كما تعد من أكثر الفئات احتياجاً للدعم والمساندة لذا لابد من دعم النساء في الدخول لسوق العمل، من خلال توفير فرص التدريب والتأهيل وإقامة برامج دعم فئة النساء المعيلات للحصول على مساعدات مادية، وتيسير فرص التعليم لأولادهنّ وتزويدهنّ بالمشورة المناسبة للمشكلات الاجتماعية والنفسية وتنمية إمكانات النساء ليتمكن من الخروج من دائرة الفقر.
بقلم: مايا درويش