بقلم رامي أبو زين
أورث تنظيم داعش لمحافظة ديرالزور تركة ثقيلة سوف تترك آثارها في مجتمع ديرالزور ذو الصبغة العشائرية وتولد شرخاً في المجتمع الديري خصوصاً والسوري والدولي عموماً , لن يندمل بسهولة مالم يتم التعامل بالشكل المطلوب مع هذه التركة الخطيرة واتخاذ تدابير من شأنها أن تعمل على تطويقها ومحاولة وأدها والتخلص منها باكراً قبل أن تأخذ حضانتها وسط مجتمع ديرالزور ومجتمعات المنطقة وتتشظى بشكل ينقل أثرها إلى عشرات السنين القادمة .
تلك التركة تتمثل بالفكر الأيديولوجي المتطرف الذي سعى تنظيم داعش إلى نشره و تثبيته لدى أبناء المنطقة منذ قدومه وسيطرته على المنطقة الشرقية ، نسبة كبيرة من أبناء ديرالزور رفضت ذلك الفكر وكانت على مستوى جيد من الإحساس بخطره فعملت على إبعاد أبنائها منذ أيام التنظيم الأولى في المحافظة و إخراجهم خارج مناطق سيطرة التنظيم بطريقة أو أخرى وقاموا هم أنفسهم بالإنكفاء على أنفسهم ووضع جدار فكري (حديدي) بينهم وبين التنظيم , حيث اعتبروا أنفسهم تحت الإقامة الجبرية في مجتمعهم الذي يدأب التنظيم إلى تغييره ومسح معالمه بجميع أوساطه وإعادته على حقبة زمنية ولت منذ أكثر من ألف سنة .
أما بالمقابل فقد كان هناك شريحة لابأس بها من أبناء ديرالزور احتضنوا التنظيم منذ قدومه وتبنوا فكره , فكانوا بيئة خصبة له لينفذ من خلالهم مخططاته الموضوعة بعناية فائقة و الرامية إلى قتل الثورة السورية و تدمير محافظة ديرالزور مادياً ومعنوياً و تفتيت مجتمعاً له شخصيته و نسيجه الديني و الأخلاقي ، أطلق التنظيم عليهم مسمى الأنصار وعمل على تهيئتهم بشكل مدروس و معمق عن طريق ما أسماه الدورات الشرعية المتكررة و الدورات القتالية المرتبطة بالشرعية فعمل على مسح أذهانهم و غرس معتقدات جديدة على أساس التطرف والابتعاد بالدين إلى درجات تأخذهم إلى أنهم هم رجال الله الذين اختارهم الله عن طريق خليفته ( أمير المؤمنين ) ليقيموا حدود الله التي زورها التنظيم في كتيّباته وقدمها للأنصار على أنها آيات منزلة، ربما هذه الشريحة من أبناء ديرالزور لا تتجاوز ال15ـ 20 % من المجتمع لكنهم حاملين للفكر الداعشي و زوال خطرهم لن يزول بزوال خلافة تنظيم داعش الذي أصبح وشيكاً إنما يتعدى ربما إلى عشرات السنين إن لم يخضعوا لإعادة تأهيل نفسي و معاملة خاصة ضمن تدابير أشبه بمحاولة تلافي انتشار” فيروس ” قاتل يحمله عدد من الأشخاص لكنه يهدد مدينة بأسرها إن لم يتعامل معه بالشكل الصحيح .
خطر ما يسمى بالأنصار على مجتمع ديرالزور يكمن في عدة قضايا أهمها محاور ثلاثة أساسية هي :
1- الثأر:
أسهب التنظيم في تفكيك أواصر مجتمع ديرالزور من خلال تجنيد أبنائه و استخدامهم كأدوات تنفيذ لأحكامه التي أقنعهم أنها نابعة من منطلق ديني عقائدي تهدف إلى إرساء “أحكام الله ” و وجه الأنصار على نبذ كافة الأعراف والأواصر والعلاقات لدرجة أصبح من الممكن أن ينفذ عنصر التنظيم (المناصر) حكم الإعدام على أحد أقربائه من الدرجة الأولى كالأب والأم بعد إقناعه بأصول ردة صاحب الحكم و تكررت هذه الأحداث بعدة مناسبات عكست مدى الخطر الفكري الذي تجذر في أدمغة المناصرين ، ناهيك عن جرائم دموية ممنهجة ارتكبها التنظيم قصد من خلالها ضرب العشائر ببعضها من خلال اقحام أبناء العشيرة س بقتل أبناء العشيرة ب والتنكيل بهم و ابتزازهم و إهانتهم وصلت في بعض المقامات إلى تهجير قرى بأسرها إلى البراري لمدة تفوق ال40يوماً في لهيب الصيف دون الإكتراث لما سيحل بهم ودون تأمين أياً من متطلبات الحياة اليومية كالماء أو الدواء أو حتى الطعام كما حدث بحالة (عشيرة الشعيطات ) بريف ديرالزور حيث قاسى أفراد العشيرة المتبقين في بيوتهم عند دخول التنظيم من ممارسات وحشية ابتدأت بمجزرة مروعة ارتكبها عناصر التنظيم بمهاجريه و أنصاره بحق أكثر من 900 شخص من أفراد العشيرة بحكم أنهم مرتدون ليزرعوا بذلك بذور الثأر لدى أبناء العشيرة التي يبلغ عدد أفرادها أكثر من مئة و خمسين ألف وكذلك الحال لدى باقي عشائر المنطقة ، حيث بدأت الرغبة بالإنتقام تتغلغل في جنبات أبناء العشائرعلى كل من ناصر التنظيم من أبناء العشائر الأخرى , ودفعت شريحة من أبناء العشائرالذين أعمى الثأر بصيرتهم (وعلى وجه الخصوص قسم من أبناء عشيرة الشعيطات ) إلى الإلتحاق بنظام الأسد وتشكيل ميليشيات باسم العشيرة هدفها الأول الوصول إلى من تفنن بعذاب أهلهم ممن يسمى بالمهاجرين والأنصار بينما بقي القسم الأكبر منهم في صفوف الثوار , لكن لثأرهم موضع ضمن مخططات المستقبل .
و مع وصول خرافة التنظيم إلى آخر فصولها وبدأ تكشف خبايا قيامها ووجودها وعلاقتها بالإستخبارات العالمية و الإستخبارات السورية التي خططت لإيجادها بهدف ضرب الثورة السورية وإعادة الشرعية لنظام الأسد ، ومع تسارع المجريات و وصول معركة الرقة إلى نهايتها ، انهار تنظيم داعش بشكل كبير ومتسارع بعد هروب عدد كبير من قيادات الصف الأول في التنظيم و سحب الإستخبارات العالمية لعناصرها المزروعة في صفوفه أحس أبناء المنطقة الداعشيين (الأنصار) بأن مركب الدين والسلطة الداعشي بدأ يغرق بهم بعد أن خرقه أمرائهم المبايعون لهم بيعة الولاء والبراء ، فتركوهم وسط ساحة القتال ليكونوا زرعاً يابساً تدوسه جحافل قوات النظام والمليشيات الطائفية الزاحفة باتجاه مدن وقرى ديرالزور إن بقوا في مواقعهم ، أو ليكونوا شرارة اقتتال عشائري قادم إن استطاعوا النجاة في الوقت الحالي حيث ينتظر ديرالزور مصيراً دموياً متمثلاً بحروب بين العشائر ربما لن تنتهي سريعا وذاك بسبب الفكر القبلي الذي لا زال مسيطراً على غالبية أبناء المنطقة وبدأ يكشف عن نفسه في الآونة الأخيرة عندما بدأت تتوارد الأنباء عن هروب الأنصار من ديرالزور لترتفع نسبة المبررات و التبرئة من ابناء العشيرة الواحدة لأقربائهم الأنصار ومحاولة إبعاد الجرائم والمسؤوليات عنهم بطريقة تنذر بفوضى مقرونة بالدماء تنتظر المحافظة في مرحلة عودة أبنائها إليها مالم توضع محاكم عادلة تسبقها ترتيبات وآليات من شأنها إخضاع كل من قام بمبايعة التنظيم لتحقيقات دقيقة من شأنها أن تجرم كل من أذنب وتبرأ من لم تجنح يداه بغياهب جرائم التنظيم .
2ـ نبذ المجتمع لهم (الأنصار) :
يتصف المجتمع السوري عموما والديري خصوصاً بالاعتدال الديني ونبذ التشدد في تطبيق الشرائع السماوية , الأمر الذي يجعل كل حامل للفكر المتطرف مرفوضاً ضمن أوساط المجتمع . كما يعتبر مجتمع ديرالزور بغالبه مجتمع حاضن للثورة السورية ، حيث شهدت المحافظة بمدنها وقراها انتفاضة كبرى بوجه نظام الأسد منذ بزوغ فجر الثورة فكانت من المحافظات التي سجلت خروج مظاهرات مليونية تطالب بالحرية والكرامة وترفض الاستبداد وتلعنه , ومع عام 2012 نالت المحافظة حريتها من سيطرة النظام بتحرير ما يقارب ال95 بالمئة من مساحتها الجغرافية , ليقوم نظام الأسد وأعوانه من الإستخبارات العالمية بإعادة الإستبداد والظلم عليها بثوب ديني و بخطط شيطانية جعلت جزء من أبناء المحافظة من سواد هذا الثوب ، حيث تعاقبت على هذا المجتمع الثائر عدة طعنات بصبغة أيديولوجية دينية متمثلة بما عرف بتنظيم داعش فنجح هذا التنظيم بتهجير قسم كبير منه و السيطرة على القسم الأصغر منه ، ونقصد هنا السيطرة الفكرية ، وبقي القسم الأكبر من ثوار ديرالزور متمسكون بمبادئ ثورتهم ولم يتأثروا بالفكر المتطرف الذي دُس في الثورة بقصد تخريبها ، بعد سيطرة داعش على ديرالزور غادرها ثوارها إلى جهات مختلفة منهم من هاجر خارج البلاد إلى بلاد اللجوء كأوربا وتركيا ومنهم من انتقل إلى المحافظات السورية الثائرة ، لم ينسَى أبناء المحافظة ثورتهم التي دفعوا ثمنها غالباً ، فكانوا متابعين لمجريات الأحداث في ديرالزور عبر قنوات التلفزة والإعلام البديل ، لتنتقل المعارك في الآونة الأخيرة من الأرض إلى وسائل التواصل الإجتماعي في مجريات تعكس ما سوف يؤول عليه الحال في مستقبل ديرالزور بالنسبة لقضية الأنصار الداعشيين ، فقد حدثت عدة سجالات على منشورات تناولت أخبار أولئك الأنصار أبدت مدى رفض المجتمع الديري لهم بنسبة مرتفعة جداً وقد تطورت هذه السجالات الالكترونية في بعض الحالات إلى عراك وقتال كما حدث في إحدى الولايات التركية حيث تحول نقاش على منشور في برنامج الفيس البوك لأحد أبناء ديرالزور الذين قتلوا مع التنظيم إلى عراك بالسكاكين بين عدد من ثوار ديرالزور في المهجر وأهل القتيل (المناصر ) نتيجة التعليق على المنشور بكلام ينبذ القتيل و يصفه بصفات الخيانة لديرالزوروالثورة ، وقد تكررت هذه الحالة في عدة مناسبات عاكسة مدا رفض أبناء دير الزور لكل من كان له يد وضعها مع تنظيم كان سببا في طعن الثورة السورية و خنجرا سلط على أبناء ديرالزور الذين رفضوا الإنخراط بصفوفه وانتهى إلى تسليم محافظتهم لنظام الأسد العدو الأول وشريك التنظيم بصورة لم يكن أكثرالمتشائمين من صف الثوار والمتفائلين من الصف الآخر يتوقع حدوثها .
3ـ حاملي الفكر المتطرف ” قنابل ” موقوتة محليا ودوليا :
إن التعامل مع التطرف الديني على أنه حالة عارضة تصيب مجتمعات متسامحة في بعض مراحل الصراع في المجتمع وأن هذه الحالة سوف تزول مع زوال الصراع هو عبارة عن ضرب من الوهم و استخفاف بمدى الخطر الذي ستلحقه هذه الحالة بحاضر المجتمع ومستقبله ، حيث يعتبر حاملو هذا الفكر قنابل موقوتة ضمن مجتمعاتهم ، التي يعتبرونها مجتمعات قائمة على منظومات منافية للدين الحنيف و أن تغيرها فرض عين .
وقد صُنّف تنظيم داعش على أنه من أخطر التنظيمات المتطرفة القائمة على أساس عقائدي على مستوى العالم ، الذي عمد منذ قدومه واستيلائه على المنطقة على السيطرة على عقول شريحة من الأطفال و المراهقين والشباب من أبناء المنطقة ممن يسهل برمجة أدمغتهم و تشريبها بأفكار التنظيم المتطرفة عبر إخضاعهم لدورات شرعية و تدريبات عسكرية شرعية وفق خطوات ممنهجة ومدروسة , فكثّف التنظيم من الدورات والتدريبات القائمة بشكل رئيسي على اعتبار الدين هو ضمن مناهج (تنظيم داعش في العراق والشام ) وأن الإسلام هو ضمن نطاق التنظيم و أن كل من خارج هذا النطاق كافر دمه وماله وعرضه محلل إن كان على مستوى الأشخاص ، أمّا على مستوى الدول فإن جميع مقدرات الدول و حدودها و مواطنيها هم أهداف مشروعة لهم كون هذه الدول تقبع في معسكر الكفر( الحرب) الواقع خارج نطاق (دولتهم المزعومة ) فالكون لديهم يقسم إلى قسمين “تنظيمهم في الشام والعراق ” والكون الكافر المستعمر الواجب قتاله حتى آخر رمق من دمائهم .
لذلك فإن حامل الفكر الداعشي المتطرف داخل المجتمع كالفايروس القاتل الذي يسكن الجسد بسكون ويقتله بشكل مفاجئ ، مالم يعالج بجلسات علاجية مكثفة تخضع للرقابة والتقييم من الفينة والأخرى ، حيث ينبغي إخضاع كل من بايع تنظيم داعش للرقابة وإلحاقه بدور رعاية خاصة تعنى بإعادة التأهيل النفسي والفكري بغية تخليصهم من أصول الفكر الداعشي الذي زرع في أدمغتهم والذي سيهدد المجتمعات المحلية و العالمية مالم يتم السيطرة عليه بالطرق العلاجية والوقائية ، كما حدث منذ فترة ليست ببعيدة عندما هرب عناصر التنظيم من ديرالزور والرقة باتجاه ريف حلب الشمالي ومحافظة إدلب و ريف الحسكة ، بدأت تظهر في ريف حلب الشمالي منشورات علقت على بعض الجدران تتضمن عبارات (الدولة الإسلامية في العراق والشام ستعود كالسيف على رقابكم ، الدولة الإسلامية في العراق والشام باقية رغم أنوف الكافرين ) أو كالتهديدات التي صدّرها بعض حاملي الفكر الداعشي المتطرف في بحر الشهر المنصرم والتي كانت عبارة عن رسوم دموية بحق بعض المشاهير من لاعبي كرة القدم من الدول الغربية منذرين من خلالها باستهداف مناسبة كروية ستقام العام القادم .