This post is also available in: English
يحملون أرواحهم على أكفهم، ويقفزون بصمت مشوبٍ بالهلع، تاركين خلفهم كلّ ماضيهم، غير آبهين إلا بهذه اللحظات التي تحدّد بقية حياتهم؛ فهم يعبرون الآن فوق الموت علّهم يصلوا إلى حياة جديدة.
“س – ص” من أبناء مدينة البوكمال بريف ديرالزور الشرقي الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش يروي لنا رحلته الشاقة من مدينة البوكمال الى مطار القامشلي التي استغرقت 19 يوم.
حيث خرجنا من مدينة البوكمال عند الفجر نركب سيارة مغلقة “فان” برفقة بعض المسافرين واتجهنا إلى مدينة الميادين لنعبر الى الضفة الأخرى عبر العبارات المائية التي هي من صنع الأهالي.
وتجاوزنا بلدات البصيرة والصور ومركدة لنقف عند قرية زيانات وهي الخط الفاصل بين مقاتلي تنظيم داعش و مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية”YPG”
كانت هناك معركة شديدة شارك فيها الطيران، تراجعنا للخلف بضع كيلو مترات وكنا نرى بأعيننا الطائرات كيف تقصف ونرى ايضا الاهداف التي يتم قصفها ،طلب منا السائق النزول الى احد البيوت في القرية لتآمين انفسنا من الطيران.
فاستقبلنا احد سكان القرية وكان في غاية الكرم معنا مع كون حالته المادية البسيطة وامتلاكه منازل من الطين، لا كهرباء فيها ولا اتصالات ولاشبكات، حتى الماء كان غير صالح للشرب في كل ابار هذه القرية.
قضينا 13 يوما ونحن على امل ان غدا سيفتح المعبر ونسافر، وفي احد الايام قال لنا عناصر داعش تعالوا لنرسلكم في شاحنات الى الطرف الذي تسيطر عليه قوات الحماية وكنا حوالي 200 مسافر بين طفل ومريض وشيخ ونساء كثيرات.
اركبونا شاحنتين في الصندوق الخلفي وختموا لنا جوازاتنا وتوجهت الشاحنات باتجاه طريق الموت الفاصل بين الإثنين وكانت المسافة حوالي ثلاثة كيلو مترات، وفي هذه المسافة كانت البيوت مدمرة والسيارات محروقة.
ماإن اقتربنا من حاجز قوات الحماية حتى فتحوا النار علينا من كل الاتجاهات، بدآت النساء تصرخ والرجال يكبرون والاطفال تبكي وتصرخ.
وعندها قام احد الاشخاص برفع خرقة بيضاء للاعلى، وفي لحضات سريعة استدارت الشاحنات بسرعة لتعود بنا مع اسمرار اطلاق النيران.
كنت من بين الركاب لا اعرف ماذا افعل فاستسلمت للامر الواقع واخذت اردد الشهادة باستمرار، كانت الطلقات تصيب الشاحنة من اليمين واليسار .وكل هذا بسبب خوفهم ان نكون مقاتلين او انتحاريين.
عدنا إلى منزل الرجل الذي استضافنا، وبعد أيام جاءنا منادي وهو يصيح لقد فتح المعبر.
المعبر كان يتحكم به الطرف الكردي فعندما يريدون فتحه يرسلون شاحنة واحدة وهي اشارة لعناصر داعش ان ارسلوا لنا الشاحنات والمسافرين.
ركبنا الشاحنات وتوجهنا مرة اخرى اخرى وكلنا امل ان معاناتنا قد انتهت وسنسافر بإطمئنان وقبل وصولنا الحاجز بقليل أمرنا عناصر وحدات الحماية بالنزول من الشاحنات والجلوس امام الساتر الترابي وكان ارتفاعه حوالي ستت امتار ووضعونا بينهم وبين عناصر داعش تحسبا ودرع لاي اشتباك.
استغرق جلوسنا من اذان العصر الى الساعة الثانية عشرة منتصف الليل دوم ماء او طعام، ثم نادوا أحد المدنيين ممن كان معنا و حدثوه وأتي إلينا وقال أنهم يريدون من كل شخص ثلاثين الف ليرة ليسمحوا لنا بالدخول الى اراضيهم مع ضمان وصولنا الى مطار القامشلي وبعد جدال كبير اضطررنا لدفع مبلغ وقدره 25 ألف ليرة.
وادخلونا الساعة الواحد ليلا واحضروا لنا سيارات واقلتنا، ففوجئنا اننا في مدينة الشداي بريف الحسكة ووضعونا في مسجد كبير وطلبوا منا النوم حتى ينظروا في امرنا صباحا، نامت النساء والرجال و الأطفال الكل نام بجانب الاخر داخل المسجد دون غطاء يستر او حاجب بين الناس.
عانينا من نقص المياه فأضررنا إلى شراء المياه المعلبة، ولم يبخل علينا سكان مدينة الشدادي حيث قدموا لنا الماء و الطعام.
في حوالي الساعة الحادية عشرة صباحا احضروا لنا سيارات كثيرة وامرونا بالركوب فيها دون ان نعرف وجهتنا، سارت بنا السيارات الى خارج مدينة الشدادي مع الحراسة المشددة وانا انظر الى مانحن فيه واسال نفسي هل نحن في سورية هل هذه هي محافظة الحسكة اللتي نعرفها ام نحن اسرى حرب في دولة اخرى لا نعرفها.
استمرت بنا السيارات وتوقفت في منطقة شمال الشدادي وهي منطقة صحراوية فارغة لايوجد فيها شيء يذكر وامرونا بالنزول و نزلنا كما امرونا ان نجلس على الارض تحت اشعة الشمس، قلنا لهم مامعنى هذا العمل، فاجابونا بان ننتظر قدوم لجنة من الامم المتحدة وهي قادمة في الطريق الينا لترى حجم المآساة اللتي نعيشها وتقرر لنا فتح مخيم جديد للاجئين لان مخيم الهول قد امتلئ.
غضبنا كثيرا وثرنا عليهم وقلنا لهم نحن لسنا لاجئين نحن مسافرون وكل ذنبنا اننا مررنا من المناطق اللتي تسيطرون عليها، وقالوا ستنتظرون قدوم اللجنة.
جلسنا لا حول لنا ولا قوة ومضت الساعات الى ان كانت الثانية عشرة ليلا ولم يعد لدينا خيار سوى الاستسلام وافتراش الأرض.
دخل الاسبوع الثالث دون ان يعرف أهلنا أي خبر عنا و كنت اتساءل كيف سيصبر هؤلاء النساء على النوم هكذا، لماذا نحن في هذا الذي نحن فيه ماهو ذنبنا ماللذي اقترفناه لنعاقب هكذا، ومع افكاري المتسلسة وإذ بصرخة ترجف القلوب وقف لها كل من كان معي.
لقد جاءت عقربة كبيرة ولدغة احد النائمين، بدا الصراخ والعويل من النساء والاطفال وركض كل من في الاحتجاز باتجاه الجنود الاكراد، اسرع الجنود وحملوا المصاب لإسعافه.
ضجة وخوف وتذمر وسخط من الجميع حتى ان بعض الجنود الأكراد قد ألقوا السلاح لاصحابهم وقالوا لهم نحن لم نعد نريد الخدمة واهلنا واخوتنا العرب يفترشون الارض ويذلون هكذا.