تعتبر النساء في ريف دير الزور أكثر الشرائح تضرراً منذ انطلاق الثورة والحرب التي نتجت عنها لاحقاً، فمنذ أيامها الأولى، فرضت الظروف الناجمة عن الحرب هناك على المرأة الخروج إلى سوق العمل وفرضت عليها الكثير من الأعباء التي تفوق طاقتها وتكوينها، وكانت المرأة في الأوقات التي سبقت الحرب، متفرغة لشؤون أسرتها وتربية أبنائها خصوصاً في المناطق الريفية التي تحتفظ فيها المراة بصورتها التقليدية ووضعها الخاص.
تواجه المرأة الريفية معتركات يومية للحصول على متطلبات الحياة، تتدبر بما هو ممكن من المنتجات الموسمية لتغطي فصول السنة كلها، فهي المدبرة والاقتصادية وتحاول تأمين احتياجتها عن طريق مايتوفر بين يديها من إمكانيات ضعيفة، وتقع مهمة التدبير والتكيّف بشكل رئيسي على كاهل المرأة دون باقي أفراد الأسرة، تدبير لم يعد يكتفي بالشكليات أو الرفاهيات كما كان يوصف، وإنما طال القوت اليومي.
تقف “أم قاسم” المرأة الأربعينية والتي تعمل في نسج البسط وغزل ونسج ليف الحمام على عربة الخضار وتنتقي أوراق الخس الذابلة و حبات الطماطم المهترئة وبعض حبات البطاطا، وتقول لديرالزور24 : “لم أعد أهتم بجودة ما نأكل، فالخضار الطازجة غالية جداً ولم نعد نقوى على شرائها “.
وتكمل “لم نتذوق اللحم والدجاج منذ عامين، حتى الفاكهة أصبحت حسرة علينا، أحاول دائماً أن أقتصد وأن أوفر احتياجاتنا بأرخص الأسعار”.
لم تقدم الجمعيات المعنية بدعم النساء وتطوير أدائهن وأدوارهن في مواجهة الحرب إلا القليل، واقتصرت الدورات المهنية على الحلاقة والتريكو و فن المكياج، وهي اختصاصات أشبعت حاجة الأفراد والسكان منها وخاصة أنّ الدورات المذكورة تقام في حيز جغرافي محدد لا يحتاج خدمات كل السيدات المشاركات، وخاصة في اختصاصات محددة ومكررة.
منذ وقت طويل تبيع “أم سليمان” الملابس المستعملة في غرفة خصصتها للتجارة في منزلها تقول “أم سليمان” لديرالزور24:
“لم يعد بمقدور النساء شراء الألبسة الجديدة لهن ولأولادهن، لذلك يلجأن لشراء الألبسة المستعملة، فهي أرخص بكثير من الألبسة الجديدة”.
وتضيف “زوجي مريض وعملي هذا لايكفي لعلاجه وتلبية احتياجاتنا اليومية، لذلك أبيع الحليب للمارة وأعمل في الزراعة أيضاً، الحياة هنا صعبة جداً”.
أما “أم عبيدة (25 )عاماً والمقيمة في بيت متداعٍ بعد رحلة نزوح طويلة، فلم تعد قادرة على شراء ثمن الدواء لابنها الوحيد، تقول “أم عبيدة” لديرالزور 24: “لم أعد قادرة على شراء الدواء لابني المريض ولا توجد منظمة تساعدني في تأمين الدواء بشكل مستمر ” وتضيف” أعمل وزوجي في الزراعة ونعيش على الأجر اليومي الذي لا يكفي حتى قوت يومنا، كما أني أبيع خبز التنور والصاج للمارة”.
في حين تعيل “أم فراس” (29) عاماً زوجها وعائلتها المكونة من أربعة أطفال تقول: “اضطررت للعمل نيابة عن زوجي في دكانه الصغير، لألبي احتياجات بيتي و أطفالي، يعاني زوجي من مرض عضال، مما أرغمني على العمل بدلاً عنه، بلا شك هي حياة قاسية، كما أني أضطر أحياناً إلى ترك ابنتي لتقوم بمهمتي، وأنصرف أنا للعمل في الزراعة”.
وتكمل “أحاول قدر الإمكان الاقتصاد في كل شيء، وعندما أطبخ أختار دائماً الطبخات الأقل كلفة، فحياتنا صعبة جداً وتتطلب خبرة جيدة في التدبير والاقتصاد المنزلي”.
نجد المرأة اليوم مقبلة على العمل بكل ما أوتيت من قوة، سواء حملت مؤهلات أم لم تحمل، كبر عمرها أم صغر، وهذا ليس وليد الظروف الراهنة، لكن تلك الظروف ساهمت في ازدياد مهام المرأة غير المؤهلة وغير المتعلمة، وساعد على انتشارها، فقديماً كانت النساء تساعد الرجل بعمله في الأرض، وذلك كنوع من المساندة والوقوف بجانبه، أما اليوم فهي تقف وحيدة بغض النظر عن حالتها الاجتماعية سواء كانت متزوجة أو
مطلقة أو أرملة أو لديها عدداً من الأبناء لكن غير قادرين على تقديم المساعدة.
لم تترك هذه الفئة من نساء مجتمعنا عملاً إلا وعملت، به فهي قادرة على أن تبيع الخبز في بسطة صباحاً، وترجع إلى بيتها لتبيع بعض قطع البسكويت وبعض أنواع الثياب، وغيرها لتجعل من بيتها متجراً صغيراً، والبعض الآخر اعتمد على مهاراته في صنع بعض الأشياء كالنسيج الصوفي والشك أو بيع خبز التنور والصاج .
حيث تقوم معظم النساء بالعمل بالزراعة فترافق الموسم الزراعي من بدايته إلى نهايته.
وتصبح الأرقام الرسمية أو الموازية غير قيّمة، أمام هول حجم المطلوب من النساء، لإنقاذ ما تبقى من حياة مرّة وقاسية ومتطلباتها لا ترحم، والنساء هنّ من يدفعن الثمن، ويتصدرنّ الشأن الاقتصادي، وكأنه مهمة مستحيلة عليهن التعارك معها وإخضاعها لصالح قوة العيش رغماً عنها وعنهن معاً.
بقلم: مايا درويش