تعمل المرأة الريفية في دير الزور إلى جانب الرجل، وتشاركه بالعمل في الحقل وتربية المواشي إلى جانب مهامها المنزلية، وتربية الأطفال.
وتُعتبر المرأة الريفية في دير الزور إحدى الفئات الهشّة داخل المجتمع، نظراً للوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه، فهي مازالت رهينة ثقافة ذكورية تتغذى من استراتيجيات التربية التقليدية التي تحصر المرأة في الدور الإنجابي وفي شؤون الأسرة، دون الاعتراف بها كمعيلٍ رئيسي داخل العائلة، ومشاركٍ مهم في الناتج الداخلي الخام.
ونظراً لغياب استراتيجية واضحة لإخراجها من دائرة التهميش، واستغلال أصحاب الأراضي الزراعية لها، فهي تدخل في دائرة الفقر الذي تتعدد مستوياته عندما يتعلق الأمر بالعاملات الريفيات في دير الزور اللواتي ليس لديهن قدرة على الحصول على الحاجيات الأساسية التي تتكون من الغذاء والملابس والسكن، فعلى الرغم من اشتغال النساء في الممتلكات العائلية، وممارستهن للنشاط الزراعي إمّا كأجيراتٍ أو مُعينات، ومساهمتهن الأساسية في تحقيق الأمن الغذائي وتوفير الغذاء على المستوى الأسرة والمجتمع، فإن نحو 60 بالمئة من النساء الريفيات يواجهنّ الجوع وسوء التغذية.
تقدّم المرأة الريفية إنجازات هامة على صعيد القطاع الزراعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتعتبر رائدة في مجال الزراعة في دير الزور، حيث تؤمن مردوداً اقتصادياً يجعلها تعتمد على نفسها .
أم محمد من مدينة هجين شرق دير الزور، (55 عاماً)، إمرأة عاملة منذ عشرات السنين تقوم ببيع الحليب واللبن والجبن للمحلات التجارية.
تقول أم محمد لدير الزور 24 وهي تحمل على رأسها قدراً مملوءاً بالحليب “أعمل في هذه المهنة منذ زمن بعيد، فبعد أن آخذ حاجتي من الحليب واللبن والجبن أقوم ببيع الفائض منهم لأصحاب المحلات في مدينة هجين والبلدات المحيطة بها”. وتعتمد أم محمد في معيشتها عما تنتجه الأرض، وما تنتجه المواشي من حليب ومشتقاته، ولكن المبلغ الذي تتقاضاه “أم محمد” مقابل بيع الليتر من الحليب لا يكفيها وعائلتها، تتابع:
“عملي هذا لا يكفيني، لدي خمس فتيات متزوجات وثلاثة شبّان، قُتل ابني البكر والأوسط على يد قوات نظام الأسد منذ سبعة أعوام، وتركا لي أطفالهما السبعة خلفهما وابني الأصغر مازال معتقلاً لدى نظام الأسد، ولا أعلم ما إذاكان على قيد الحياة أم لا”.
أما أم جاسم (35 عاماً) من بلدة الحوايج بريف دير الزور الشرقي، فتبيع خبز التنور وخبز الصاج للمارة فهو مصدر رزقها.
تقول أم جاسم لدير الزور 24 وهي توقد التنور بأغصان شجر الزيتون والتين “أستيقظ في تمام الخامسة فجراً، أحضّر كمية لا بأس بها من الطحين للعجن، وبعد قرابة الساعة أقوم بتقطيعه لكرات متوسطة الحجم وخبزه، إنني أجيد تحضير خبز التنور وخبز الصاج، ويعود الفضل بذلك لأمي التي علمتني خبزهما منذ الصغر”
وتتابع “يشتري المارة مني الخبز دائماً وكذلك العمال والمزارعين وأحياناً أخبز المحمرة والمشحمية حسب الطلب”.
بيع الخبز اليوم هو مصدر رزق لأم جاسم وعائلتها، يأخذون منه ما يسد رمقهم، ويبيعون ما تبقى لشراء بعض الاحتياجات الأساسية، تقول أم جاسم بنبرة حزن “حرارة التنور أرحم من الذل وسؤال الناس”.
أما أم بكر (32 عاماً) من بلدة الشحيل شرق دير الزور، فتقضي معظم أوقاتها في الحقل والزراعة، وتقوم ببيع الخضار، تقول أم بكر لدير الزور 24: “أنا أم لستة أطفال وزوجي مريض أعمل في الزراعة على مدار العام، حسب أوقات زراعة المحاصيل الصيفية والشتوية، أؤمن احتياجاتي الأساسية من الخضروات والمونة الشتوية، ومردود مادي أيضاً”.
من جهتها، تبيع أم فواز (46 عاماً) من بلدة الزر بالقرب من الشحيل، التنانير الطينية منذ نحو عشرة أعوام، إضافة إلى ذلك فهي تقوم ببيع البيض، تقول أم فواز لدير الزور 24: “أجيد صناعة التنانير وأقوم ببيعها وكذلك أربي الدجاج لأبيع البيض”، وتكمل قائلةً ” أفضل وقت لصناعة التنانير هو فصل الصيف إذ تساعد الحرارة المرتفعة على جفافها بسرعة”.
وتضيف “نتيجة الحرب والظروف الاقتصادية الصعبة، قلَّ عدد الأفران في المنطقة، إضافة إلى ارتفاع سعر ربطة الخبز، ما أدى لرجوع العديد من العوائل لخبز التنور، الذي لا يحتاج لآلات ولا لوقود”.
وللتنور استخدامات متعددة فهو يستخدم للخبز ولشوي الدجاج والأسماك وشوي الكليجة في الأعياد وغير ذلك.
هذه الأدوار تجعل المرأة في الوسط الريفي، تمثّل أكثر من نصف المجتمع فهي فرد واحد بأدوار عديدة، لايقلّ أحدها أهمية عن الآخر، وقد أثبتت أنها قادرة على الجمع بين مسؤوليات مختلفة في آن، فهي الأم المربية والراعية لأبنائها وهي المعيلة للأسرة وهي الزوجة التي تتولى أغلب المسؤوليات الأسرية، وهي العاملة الزراعية التي تساعد زوجها في تأمين الدخل العائلي.
رغم أنها تضطلع بمهامها الاقتصادية في ظروف قاسية منها الطبيعية ومنها التي تتعلق بالبنية التحتية في الريف ومنها التي تخص البيئة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
وفي البلدان النامية، تمثل المرأة الريفية نحو 43% من القوة العاملة الزراعية، وينتجن الكثير من المواد الغذائية المتوفرة، مما يجعلهنّ المسؤولات الأساسيات عن الأمن الغذائي، ومع ذلك تعاني النساء والفتيات في المناطق الريفية من فقر متعدد الأبعاد، فما تزال المرأة الريفية في دير الزور تتعرّض للإقصاء والاستغلال على الرغم من الدور المحوريّ الذي تؤدّيه في الحفاظ على الأمن الغذائيّ.
بقلم: مايا درويش