This post is also available in: English
عمر سيف-ديرالزور 24
تعتبر العشيرة هي حجر الأساس في المنظومة الإجتماعية الناظمة للعلاقات الإجتماعية في محافظة دير الزور , حيث كانت النقطة التي تلتقي عندها العلاقات الإجتماعية.
وقد أدرك نظام الأسد أهمية العشيرة في المجتمع الديري لذلك عمل على السيطرة عليها من خلال تكوين شبكة علاقات مع شيوخ العشائر , والذي كان يمنحهم امتيازات كبرى وبذات الوقت عمل على إلهاء تلك العائلات بصراعات جانبية من قبيل الترشيح لمجلس الشعب وصراعات النفوذ بين تلك العائلات.
سيطرة شيوخ العشائر بدأت بالتراجع منذ ما يقرب العشر سنوات وذلك بسبب التغيير الإجتماعي الذي حصل في المحافظة ليقتصر دورهم على النواحي الإجتماعية وبعض الميزات الأخرى.
وبعد انطلاق الثورة كانت العين مفتوحة على محافظة دير الزور والترقب سيد الموقف حيث الكتلة البشرية الكبيرة والمنضوية إجتماعياً تحت ستار العشيرة وأن الثورة التي انطلقت في درعا ستحملها العشائر بدير الزور , مرت الأيام الأولى للثورة وخرج الشباب من المساجد إلى الساحات معتمدين على ثقافتهم ووعيهم الفكري دون النظر لمنبتهم العشائري , فلم تكن العشيرة هي المحرك الأول لمشاركتهم وانتظر الجميع موقف واضح لشيوخ العشائر خاصة الكبرى لكن هذا الموقف لم يأت جازماً بل كان ضبابياً ومتردداً عدا عن مواقف فردية لدى بعض شيوخ العشائر , واستمر الشباب في خروجهم بالمظاهرات دون الإعتماد على العشائرية بالرغم من تسمية أحد الجمع باسم جمعة العشائر تحريضاً لها على المشاركة و الانخراط في الثورة.
هذا الموقف السلبي أن لم نقل المتخاذل لكثير من شيوخ العشائر أصاب المجتمع الثائر بصدمة كبيرة خاصة بعد استغلال النظام لهذه العلاقة وعقد مؤتمرين لشيوخ عشائر المنطقة الشرقية أحدهما في دمشق والآخر في مدينة العشارة حاول من خلالها دق أسفين الخلاف بين الثوار من جهة وبين عشائرهم وبذات الوقت استخدام نفوذ شيوخ العشائر للضغط على أبناءها.
كذلك كان هناك موقف مشرف لبعض الشيوخ الذين انضموا للثورة وعملوا على دعم المتظاهرين من ابناء المحافظة وقدموا ما استطاعوا كما قام عدد من الشباب من ابناء تلك العائلات بالانضمام للثوار وكان لهم مواقف جيدة من الثورة.
كما عمل النظام على العودة للعب ذات الورقة التي استخدمها مراراً وهي ورقة عضوية مجلس الشعب حيث دخل عضوية المجلس عدد من رجال تلك العشائر في اصطفاف واضح لجانب النظام ضد ثورة الشعب.
التمييز واجب
الأول وقف إلى جانب النظام وذهب معه إلى أبعد مدى بل وصل بعضهم للتشبيح للنظام والدعوة لقتل أبناء جلدتهم ولعل ظاهرة أحمد الشلاش المحسوب على إحدى قبائل المحافظة رغم أنه قضى معظم حياته خارجها , فيما بقي بعضهم في صفوف النظام دون أن تصدر عنهم مواقف متشنجة أو داعية لقمع الشارع الثائر كذلك عمل بعضهم في لجان المصالحة الوطنية الداعية للعودة إلى النظام مستغلين نفوذهم وعلاقاتهم المتشعبة.
الثاني وقف إلى جانب الثوار منذ بداية الثورة بل وأنشق بعض ممن كانوا في صفوف النظام عنه وقد عملوا في صفوف الثوار ومؤسسات الثورة وهو موقف يحسب لهم بل ووقف بعضهم مع الثوار وحملوا السلاح معهم كما حاولوا إنشاء مؤسسات ثورية تعتمد على العشيرة بالتعاون مع شيوخ عشائر أخرى من أجل إعادة الدور لقوة العشيرة خاصة أن رؤيتهم تعتمد على فكرة حل الخلافات التي نشأت خلال فترة قيام الثورة بالطرق السلمية الإجتماعية التقليدية خاصة مسائل الثأر والدماء والأملاك لقناعتهم بأن ميدأ العدالة الإنتقالية قد يتأخر ليتم تطبيقه فتكون العشيرة صمام الأمان للمجتمع خاصة العشائري معتمدين على أرث كبير وتاريخي في هذا المجال ولا يجد شباب الثورة غضاضة في هذا الطرح شرط أن تكون تلك التجمعات تعتمد فكر الثورة وأهدافها.
الثالث وهم من كان موقفهم رمادياً وهم الأقرب للنظام ومع ذلك بقوا في مناطقهم معتمدين على حصانتهم العشائرية ودعم أفراد عشيرتهم لهم وقد اصطدموا غير مرة مع الثوار في مواقف كثيرة ومع ذلك بقوا في مناطقهم لم يمسسهم أحد.
داعش تخلط الأوراق
دخول داعش للمحافظة خلط الأوراق مجدداً خاصة أن فكر داعش يناقض منطق العشيرة بل ويعتبرها كما ورد على لسان شرعييها مستشهدين بحديث للرسول صلى الله عليه وسلم بانها نتنة كما اصطدمت مع بعض العشائر في قتال دموي استمر أشهر عديدة قدمت تلك العشائر العديد من أبناءها , مما اضطر العشائر ان تأخذ أحد موقفين إما أن تبايع داعش وهكذا فعلت بعض العشائر ممثلة بشيوخها وبالتالي بقوا في مناطقهم وحصل بعضهم على امتيازات كبرى , كذلك تم استخدامهم من قبل داعش من أجل فرض سطوتها على مناطق نفوذهم ,أو أن يترك أبناءها مناطقهم ويلجأوا لدول الجوار حيث وصل العديد منهم إلى تركيا في فترات متلاحقة وفي تركيا عادت عملية التحالفات والبحث عن النفوذ من جديد فبدأت المؤتمرات والتحالفات تظهر كذلك الخلافات العشائرية تطفو على السطح مجدداً ولا يبدو النظام بعيداً عنها.
بسلبياتها وإيجابياتها تبقى العشيرة حجر الزاوية في المنظومة الإجتماعية لمحافظة دير الزور وبدونها قد تتيه البوصلة الإجتماعية لكن لابد لها من الإنصهار بنار الثورة لتعود من جديد ضمانة للمجتمع العشائري والسبيل لتحقيق العدالة الإنتقالية بالتكاتف مع مؤسسات الدولة الحديثة فلا يمكن إنكار ما للعشيرة من تأثير في المجتمع الديري بسبب التراكمات التاريخية والعلاقات الإجتماعية بين أفراده لذلك فإصلاح هذه المنظومة يجب أن يكون من ضمن أهداف الثورة التي يجب أن تكون ثورة في جميع المجالات سياسيا واجتماعياً وثقافياً.