شَهِدَت مناطق شمال شرق سوريا مؤخراً، إقبالاً كبيراً على العمل في المجال الإعلامي، وشغلت المرأة الحيز الأكبر من هذه المشاركة، فكان لها ظهوراً ملفت وطاغٍ في الكثير من الأحيان، لكنها بنفس الوقت واجهت الكثير من الصعوبات والتحديات خلال مسيرتها الإعلامية ، فهي لم تنجح تماماً بكسر الصورة النمطية للمرأة، وتمثيل دورها بشكل فعّال في المجتمع.
تعتبر العادات والتقاليد في المجتمع من أكبر المشاكل التي تواجه الصحفيات والإعلاميات وتقف عائقاً أمام تطور المرأة، إضافة إلى مسألة المحسوبيات التي تمارس في أغلب المؤسسات الإعلامية في شمال وشرق سوريا، التي من شأنها أن تعرقل جهود المرأة الطموحة والقادرة على منافسة الرجل في ذات المجال.
ولا تقتصر الصعوبات على العادات والتقاليد فحسب، إذ يعد الانفلات الأمني، والاستهداف المباشر للصحفيات، والمضايقات من عناصر تابعة لفصائل معينة، بالإضافة إلى الأمور اللوجستية من انقطاع للكهرباء وضعف في خدمات الإنترنت ونقص في المعدات، من الأمور التي تقف عائقًا أمامهنّ.
تقول الناشطة الإعلامية “هديل” لديرالزور 24 والتي بدأت عملها في الإعلام منذ قرابة الست سنوات:
“لقد واجهت صعوبات كثيرة في البداية بسبب رفض المجتمع المحيط بي لعملي” وأوضحت أنّ “المضايقات بدأت كلامية وبتشويه السمعة بسبب جهل البعض بطبيعة ما نقوم به، بحجّة أن صوت المرأة عورة وعمل المرأة بالصحافة والإعلام حرام، ويجب عليها الالتزام في بيتها”، وتكمل “كنت أتغيب كثيراً عن زوجي وأطفالي بسبب ضغط العمل، فالصحافة مهنة متعبة وخطرة جداً وتتطلب الصدق و الشجاعة”.
وتشير هديل، التي تعمل الآن كمعدّة ومقدمة برامج إذاعية، إلى أنّ عائلتها حاولت في كثير من الأوقات إقناعها بأن تكتفي بالعمل في مجال الإعلام المكتوب بدلاً من المرئي، خوفاً عليها من المخاطر لكنها أصرت على عملها.
أما “فاطمة” التي تعمل كمراسلة لإحدى الإذاعات المحلية، فتؤكد أنها لم تسلم من التنمر عليها فتقول لديرالزور 24:
“تعرّضت كثيراً للسخرية من قبل الآخرين، كوني امرأة، أثناء عملي كمراسلة، وكنت أسمع كلاماً جارحاً لكني لم أكترث لكل مايقال حولي”.
وتضيف “كل مايهمني الآن هو نقل الصورة الحقيقية ومعاناة الأهالي بكل صدق وحيادية إلى العالم”.
وتقول “رنا” التي تعمل كمديرة تنفيذية لدى إحدى الإذاعات:
“مجتمعنا يستخف دائماً بقدرة المرأة على نجاحها بالعمل، الأمر الذي يتسبب باهتزاز ثقتها بنفسها على إنجاز عملها وإتقانه بشكل جيد”.
وتكمل “يلعب الإرث الثقافي المجتمعي السائد دوراً كبيراً في تراجع قدرات المرأة على مواصلة العمل الإعلامي، ويصل الأمر بي في كثير من الأحيان إلى اتخاذ قرار الانسحاب من تلك المهنة الشاقة”.
وتشير الصحفية “نالين” خلال حديثها لديرالزور 24 إلى تفاوت المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات خلال عملهم في المؤسسات الإعلامية، داعيةً إلى تحقيق المساواة بين الطرفين حسب الكفاءة لا النوع “الجندري”.
و لا يقتصر غياب المساواة بينهما على مسألة حق إجازة الأمومة والأبوة فحسب، بل حتى في أجور العمل.
وتطالب نالين بضرورة أخذ خصوصية المرأة بعين الاعتبار، سواء عبر المؤسسات الإعلامية المحلية أو الدولية التي لديها مكاتب في شمال شرق سوريا.
وتضيف “عملي لا يضمن لي حقوقاً عقدية مصانة من ناحية إجازة الأمومة على سبيل المثال”.
وتختتم بالقول “من المهم تقييمنا كنساء كأنداد للرجال العاملين في العمل الصحفي، وأن نخرج من الأطر النمطية الجديدة المحصورة بتقديم محتوى نسوي فقط، وأن نتجه لتقديم محتوى منوع، أن يزداد عدد صانعات القرار بالمؤسسات الإعلامية”.
وليست التحديات الاجتماعية وحدها ما يهدد استمرار عمل الصحفيات، لكنّ تهديد حياة الصحفيات من قبل العديد من الأطراف، وهو ما يمنع كثيرات منهنّ من العمل أو الدخول في مواضيع معينة يمكن أن تتسبب لهنّ بالملاحقة والاعتقال، في الوقت الذي تشق فيه صحفيات سوريات دربهنّ في ظروف بالغة الصعوبة في المنطقة ،يبدو واضحاً أن عوائق كثيرة تقف في طريقهنّ.
بقلم: مايا درويش