This post is also available in:
English
مقال رأي:
تعتبر حادثة استهداف إبراهيم الهفل، شيخ عشيرة العقيدات (العكيدات) وهي من كبرى العشائر في سوريا ودير الزور، ومقتل مطشر الهفل أحد مشايخ العشيرة الكبار ومرافقه، من إحدى الحوادث المهمّة التي أدت معها إلى طفو الكثير من الملفات إلى السطح، وبخاصة الملف الأمني والاقتصادي وما يُرافقها من قضايا وتفصيلات طالت مسألة شرعية وجود قوات سوريا الديمقراطية وتحميلها المسؤولية، وأدت في موقف المستغلّ تحرّكات ورغبات من قبل النظام وروسيا وإيران لمحاولة السيطرة على شرق الفرات أو وضع موطئ قدم فيها، أو على الأقل قلقلة الأوضاع.
الدور المنوط بالعشائر
لقد دأب نظام البعث منذ وصوله إلى سدة الحكم، إلى محاولة طمس دور العشائر في سوريا عامة وبخاصة في دير الزور، وبتخصيص أكبر إبان افتراقه عن البعث العراقي، لما تمثّله العشائرية من ثقل، بحيث يكاد يكون تنظيما اجتماعيا موازيا لحالة المؤسّسة التي تديرها الدولة، وقد نجح البعث الحاكم بقبضة من حديد من تحجيم دور العشائر وليّ ذراعها وتفتيت كلمتها، وحين بدأ الحراك الشعبي في سوريا كثورة ضد الظلم والدكتاتورية، حينها ولأنّ قبضة الحديد قد تراخت رغما عنها، خرج أبناء دير الزور أيضا أسوة بمناطق أخرى، وخرجت إلى السطح الهويات المقموعة الأخرى، وهي الهويات الموازية للهوية التي صنعتها الدولة، وهي مع أنها كانت هوية هشّة إلا أنّ القبضة الأمنية الحديدية كانت تحميها، ومن هذه الهويات الهوية العشائرية، فصعدت إلى السطح الحمية العشائرية، وبعيدا عن تقييم العشارية إيجابا أو سلبا، فإنّها منحت دورا لها، ولأنّ لها كما أسلفنا أدوارا إيجابية فكان ولا يزال مطلوبا منها العمل على الاستقرار في المنطقة والعمل مع الشركاء لما يخدم المنطقة ككل.
إنّ الاجتماعات التي رافقت مقتل الشيخ الهفل وما بعدها يعكس حالة من الهيجان الشعبي، والدفع بهم لرفع سقف المطالبات من القوى المسيطرة ومن ورائها التحالف الدولي، وبخاصة النقاط المتعلقة بمنح مدة زمنية للكشف عن قاتلي الشيخ الهفل، وتعليق عدم التنفيذ وربطه بمواقف حدية تجاه القوى المسيطرة.
على العشائر أن تعي دورها الإيجابي في المساعدة في ضبط الأمن والابتعاد عن العاطفة والارتجال والارتكان إلى منطق خطاب مدروس وقابل للتحقّق، وذلك لسدّ الطريق أمام الأطراف التي تودّ لو تبتلع دير الزور وتستفيد منها وتنتقم كذلك، ممثلة بنظام الأسد وإيران وبالتأكيد روسيا أيضا.
وعليهم كذلك أن يكونوا واضحين مع أبنائهم حتى يساندهم في مطالبهم التي تمثّل مصلحة أبناء المنطقة، ولا تمثل مطالب عشيرة واحدة أو جزء من عشيرة، فالتحالف الدولي ومن خلفه أمريكا يتوجّه دائما إلى مكونات المنطقة ككل وليس كعشيرة واحدة أو قوة واحدة.
اقتصاد دير الزور وإعادة الإعمار
لا شكّ أنّ النفط الموجود في دير الزور يُسيل لعاب أطراف الصراع في سوريا، وبخاصة قوات الأسد وإيران وروسيا وخلايا داعش، ويبدو أنّه كان للخطوة التي قامت بها قوات سوريا الديمقراطية (الإدارة الذاتية) من توقيع لعقد نفطي مع شركة أمريكية بإيعاز ومباركة أمريكية دور في خلق امتعاض لدى هذه القوى، وحدا بها لخلخلة الأوضاع في شرق الفرات، ومنها سلسلة الاغتيالات في شرق الفرات وإذكاء نار الفرقة ما بين أبناء العشائر ومجلس دير الزور المدني والعسكري.
إلا أنّ الأوضاع الاقتصادية المتردّية وفقدان فرص العمل خارج القوى العسكرية أدى إلى خلق شعور بالغبن لدى أبناء المنطقة، لذا فإنّ السؤال الذي يفرض نفسه ويأخذ شرعيته من هذا الواقع هو، لمن ستذهب عائدات هذا النفط، فعلى الجهة الموقّعة على العقود النفطية أن تبادر إلى خطوات تُظهر حسن نواياها من خلال العمل على البنية التحتية وإعلان ميزانيات وخطط زمنية للعمل.
فالبنية المدمّرة التي خلّفتها المعارك ضد تنظيم داعش تعتبر إحدى أهم العقبات أمام النهوض بدير الزور، وبدون الوقوف بمسؤولية أمام أبناء المنطقة لكيفية إعادة تأهيل البنية التحتية سيكون حجرة تتعثر بها أي مجهودات جادة للانتقال بالمنطقة من حالة الفوضى إلى الاستقرار.
بناء أرضية لحوار كردي عربي
عمدت قوات سوريا الديمقراطية وبعد درس الاجتياح التركي لمناطق عدة من سوريا وتخضع لسلطة الإدارة الذاتية، إلى الالتفات إلى ترتيب البيت الداخلي فكانت البداية مع حوار كردي – كردي أشرفت عليه الولايات المتحدة متمثلة بالخارجية الأميركية ، وتبدو من ملامحه حتى اللحظة أنه يمضي قدما نحو النجاح وبخاصة أن مظلوم عبدي القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية هو نفسه من أدار هذه الحوارات وبدعم ومباركة أمريكية وأوربية-فرنسية، ولأنّ خطوات كهذه تعزز الاستقرار، ينبغي أن يكون هناك سعي جاد وقوي من قبل قوات سوريا الديمقراطية وأبناء المنطقة العرب، وهذا من شأنه قطع أذرع وذرائع إيران والنظام وروسيا وداعش.
ومع أنّ هناك مشاركة كبيرة من أبناء المنطقة في مجلس دير الزور المدني إلا أنّ أبناء المنطقة يجدون وبشكل ضروري أّنهم بحاجة إلى أن يكون لهم رأي أكبر في مراكز صنع القرار، وأن يجدوا الشخص المناسب في المكان المناسب
ولأنّ مجتمع دير الزور مجتمع متجانس فهم في معظمهم عرب، وهذا يسهّل مهمة أي حوار مرتقب ويكون هنا حوار بين سلطة “كردية” وأبناء المنطقة العرب.
الحفاظ على دير الزور
إنّ المتابع لواقع دير الزور والبنية التحتية المدمّرة فيه، وحالة الفلتان الأمني يُدرك أنّ أولى الخطوات للخروج من النفق المظلم هو الوقوف إلى جانب التحالف الدولي وشركائه على الأرض للقضاء على تنظيم داعش، وقد تم تلمّس جدية وجدوى العملية الأمنية الأخيرة له والتي صادر فيها مجموعات كبيرة من مواد كان من شأنها أن تزعزع الوضع بشكل أكبر، وكذلك عدم النظر بعين الخذلان لقوات سوريا الديمقراطية التي ضحّت في سبيل تحرير المنطقة من داعش آلاف الشهداء.
ولتحقيق هدف الحفاظ على دير الزور فإنّ وحدة الصف في مناطق شرق الفرات، والعمل على تدوير العجلة الاقتصادية، ومساعدة التحالف والأطراف الأخرى على استتباب الأمن، ومطلوب كذلك من قسد والإدارة الذاتية العمل بشكل جدي وبدون مماطلات على إخلاء سبيل المعتقلين وبخاصة أولئك الذين يتم معرفتهم من أبناء المنطقة وأنه لم يتم تلطيخ أياديهم بالدماء، أو تم سوقهم للمعتقلات بتهمة التشابه أو الظن أو تقارير كيدية . كما أن المنطقة اليوم وبسبب هذه التطورات المتتالية أصبحت بحاجة عاجلة أيضاً لتدوير عجلة الاقتصاد وضخ المشاريع الحقيقية بكافة أصنافها والتي تحتاجها المنطقة ككل والتي بدورها سوف تقطع الطريق على كل المحاولات التي تلعب بمصير المنطقة من أطراف معادية وفئات تستمتع بزعزعة استقرار وأمن شمال شرق سوريا ككل وديرالزور بشكل خاص .
القضية كلها تتعلق بالحفاظ على شعب منطقة وحمايته من هذه المخططات وهذا بالضبط ما يجب أن يكون تحت بند تفعيل النوايا إلى أفعال حقيقية وبدون تردد.