This post is also available in:
English
في 23 آذار 2019 تم تحرير الباغوز آخر معاقل تنظيم داعش، وكانت تلك اللحظة مفصلية في تاريخ إرهاب التنظيم الذي كبت على أنفاس الناس، ودمّر قبل سقوطه المنطقة، إلا أنّه خسر كلّ شيء تقريبا ولم يبق له سوى أن يحرّك فلوله هنا وهناك، ومع مقتل البغدادي قبل عام فإنّ التنظيم يتلاشى، على الأقل من صورة التغوّل التي تركها في أذهان الناس.
ولن يكون نصيب أمير داعش خليفة “الخليفة” البغدادي أفضل، إذ أنّه خلف البغدادي على تنظيم متهلهل ومتداعٍ، ويعتمد على تكتيكات تتمثّل في عمليات اغتيال وتنفيذ بعض التفجيرات، إلا أنّ مصيره ومصير التنظيم أو ما تبقّى منه ماثل للعيان، مع عديد الضربات التي يتلقّاها من عمليات التمشيط والعمليات الأمنية التي يقودها التحالف مع شركائه المحليين.
المولى أمير ما تبقى من داعش
لم يحالف الحظ خليفة البغدادي إذ أنّه جاء في وقت تداعى فيه كلّ ما بنته داعش، ولم يتبقى له سوى خلايا هنا وهناك دون أرضية يقف عليها وينفّذ منها مخططاته، ودون أن يتمتع بالحسّ الإرهابي/ إرهاب الناس الذي رافق صعود داعش وسيطرته في مشهدين مرعبين على الرقة والموصل.
وكشف تقرير أصدرته قناة الآن معلومات عن زعيم داعش خليفة البغدادي واسمه أمير محمد سعيد عبد الرحمن المولى، عراقي الجنسية، والذي أثبت التقرير أنّه ليس تركمانيا كما تم الترويج له، بل هو من الموصل من أحد العشائر العربية وتدعى السلبي وهي فخذٌ من قبيلة الموالي العربية، حيث تم إلقاء القبض عليه في العام 2008 حيث كان متولّيا منصب “أمير شرعي عام” فيما كان يسمّى بـ “دولة العراق الإسلامية”، قبل أن تفرج عنه السلطات العراقية لاحقا.
إن ما يبدو للمتابع هو أنّ داعش فقد قدرته على التحرّك لأنه لا يُسيطر على الأرض، ويلجأ فقط إلى عمليات الاغتيال التي تسعى لزعزعة المنطقة، وتنفيذ بعض التفجيرات، وهي أفعال تدلّ على الأيديولوجية المتطرّفة التي لا يزال ينتهجها التنظيم من جهة، وكذلك على رغبة من الانتقام من أهل المنطقة، الذين وقفوا في الجهة المقابلة له.
وفي غياب حاضنة شعبية حقيقية لتنظيم داعش وانحسار عوامل القوة أو الجذب لديه فإنّ سقوطه يبدو وشيكا وبخاصة بعد العمليات الأمنية المكثفة ضد تواجده الهشّ.
الترميم والبدء من جديد
من خلال متابعة مجمل ما يحدث في مناطق ديرالزور من بعد التحرير وحتى اللحظة فإنّ هناك جملة من الأمور يمكن تلمّسها، وهي أنّ التنظيم لم يعد قادرا على أن يقيم أعشاشا وأوكارا حتى وإن كان يقوم بعمليات اغتيالات، وهي تتسم بأنّها عمليات بكفاءات غير عالية، وغير منظّمة ما يعني أنّه يمكن القضاء عليها أو الحدّ منها، وبخاصة في حال تم التعاون مع أبناء العشائر وأهالي المنطقة.
إنّ الواقع الاقتصادي والبنية التحتية المدمّرة وفقدان فرص العمل هي أحد أبرز الأسباب التي تترك مساحة فارغة ما بين السلطات المحلية وأبناء المنطقة، ومن شأن العناية بالمنطقة وبناء البنية التحتية وتوفير الفرص الاقتصادي وتخفيف شعور الغبن لدى أهل المنطقة أن يُساعد في التفاف أبناء المنطقة إلى مسألة الأمن وأن يكون عونا فيها لدرجة أكبر.
ربما يظن الناس أنّ التنظيم الآن قوي أو أنه يمكنه العودة، لكن مطالعة آراء الناس في المنطقة وتوقهم للحياة يدلّل إلى أنّهم يرفضون التفكير حتى في الخضوع لتنظيم ظلامي كداعش كان جالبا للدمار للمنطقة، إضافة إلى غرسه مبادئ نفي الآخر وكبت الحريات.
تنظيم هشّ!
يبدو أنّ الإعلام لا يزال مكترثا بكلّ ما يصدر من جديد عن تنظيم داعش، وخاصة بعد غياب طويل عن الواجهات الإعلامية، لأن الماكينة الإعلامية الضخمة التي كانت تساعده في تنويع وتوزيع إرهابه انكسرت، إلا أنّ الإعلام المضاد والمناهض له لا يزال يتحدّث عنه، لكن بصورة المنكسر والباحث عن الصعود، يبدو أنّ المولى زعيم ما تبقى من داعش سيحصد ما زرعه خلفه، لكنه بئس الحصاد، وبئس الزارع وبئس المصير الذي ينتظرهم على ضفاف الفرات.