This post is also available in: English
*فراس علاوي-ديرالزور24
كان لمقتل ابو محمد العدناني المتحدث الرسمي باسم تنظيم (داعش)، ومن ثم مقتل أبو محمد فرقان وزير الإعلام لديها، وهما من قادة الصف الأول في التنظيم والمرشحان لخلافة البغدادي، الأثر الكبير على سياسة التنظيم خاصة الاعلامية حيث يملك كليهما كاريزما خاصة به.
العدناني صاحب الظهور الاعلامي والخطاب الموجه في غالبه لدول أوروبا بشكل خاص، وصاحب فكرة ما سمي عمليات الذئاب المنفردة، كان أحد أبرز قادة الصف الأول وبمقتله فقد التنظيم أحد العقول المدبرة له، وأحد قادته البارزين والذي كان من الصعب تعويض فقده، خاصة بعد مقتل المرشح الأبرز والمسؤول عن الإصدارات المرئية وكذلك المنشورات التي كانت تصدرها داعش أبو محمد فرقان.
ترافق مقتل القائدين البارزين مع تراجع لتنظيم داعش على الأرض في عدة جبهات في سوريا والعراق وليبيا، وخسارتها العديد من المناطق الاستراتيجية، كمدينة سرت الليبية والفلوجة والشرقاط العراقيتين ومنبج وجرابلس السورية.
هذا التراجع جعل التنظيم يعيد النظر في استراتيجياته العسكرية والدعائية، والتي بدت تظهر في عملية الانسحابات التكتيكية من المدن، ودون قتال تلك العمليات التي كان يرفضها من قبل ويسميها فراراً من الزحف ويعاقب عليها أشد العقوبة، وهو ما أربك القوات التي تقاتلهم خاصة في العراق فقد خلت المدن التي انسحب منها من أي وجود لعناصره فلم تستطع تلك القوات العثور أو القاء القبض على عناصر أو إصدار مقاطع لأسرى او حتى جثث وهو ما جعل القادة العسكريين يرون في ذلك خطر داهم فالاختفاء المفاجئ لعناصر التنظيم وذوبانهم في المناطق التي تتم السيطرة عليها هو تغير في الاستراتيجية العسكرية للتنظيم.
وصول قادة الصف الثاني للتنظيم حيث لم يبق من قادة الصف الأول سوى البغدادي و ثلاثة قادة آخرين، الذين أعلنوا قيام دولة الخلافة كما أسموها آنذاك استدعى أيضاً تغيراً في الخطاب الإعلامي، والذي بدا وكأنه يحضر عناصره لمعركة طويلة الأمد حين بدأ يتحدث عن الصبر والابتلاء مع اختفاء تدريجي لشعار /باقية وتتمدد / الذي اتخذه التنظيم عندما كان يتوسع في سوريا.
ترافق هذا التغيير أيضاً بازدياد التصريحات من عدد كبير من المسؤولين خاصة الأمريكان والعراقيين وفي وقت لاحق الأتراك والبريطانيين وحلفائهم عن اقتراب معركة الموصل والرقة المعقلين الأساسيين للتنظيم في سوريا والعراق، واللتين تعتبران عاصمتي التنظيم فيهما وكذلك ازدياد خسائر التنظيم في ليبيا وخسارته لمدينة سرت.
مما شكل قناعة عند القادة الجدد أن التنظيم قد يخسر مواقعه كاملة ولا يتبقى له سوى بعض المناطق كمحافظة دير الزور والتي رغم استراتيجيتها وأهميتها القصوى للتنظيم عسكرياً واقتصادياً لكن لا يستطيع في هذه الظروف الحفاظ عليها لوقت طويل فهو بدأ يخسر المدن الكبرى والمعارك الكبرى سريعاً.
لذلك وبسبب الخبرة الكبيرة التي يملكها عناصره في حروب العصابات والمناطق الوعرة فربما سنشهد تغييرا الاستراتيجية التنظيم بهذا الاتجاه حيث شهدت الأيام القليلة الماضية اتجاه التنظيم باتجاه منطقة القلمون الشرقي.
وهي المنطقة المعروفة جغرافياً بأنها سلسلة من الجبال الوعرة ذات التضاريس الجبلية والصخرية والتي تصلح لحرب العصابات وتشبه إلى حد كبير مناطق جبال افغانستان، حيث أخفت عناصر القاعدة وطالبان سنين طويلة دون أن يستطيع الأمريكان وحلفاؤهم الوصول اليهم.
هذه المنطقة والتي تملك ميزات أخرى قد يستفيد منها التنظيم، مثل موقعها الهام في منطقة تعتبر مثلث لالتقاء الحدود العراقية السورية الاردنية، وتشرف على الحدود اللبنانية كذلك، وهي ممر لأبرز طرق التهريب بكل أنواعه بين تلك الدول.
كذلك فهي تسيطر على الطرق الواصلة بين دمشق حمص ودمشق بالمناطق الشرقية، وبذلك تكون عقدة اتصالات حيوية أيضاً بالإضافة لإمكانية استغلالها إعلامياً من قبل التنظيم، وتصوير نفسه بأنه يقاتل حزب الله غير المرحب به عند غالبية الشعب السوري.
سيطرة التنظيم على تلك المنطقة قد تحوله إلى طالبان سوريا خاصة انها متصلة بالبادية السورية مما يؤمن له سهولة التنقل والمناورة والتخفي، يتوقف نجاح التنظيم في تحقيق اهدافه واستراتيجيته الجديدة على عدة عوامل أهمها.
طبيعة القوات التي تشارك في معركتي الموصل والرقة وكيفية قدرتها على إدارة المعركة وإخراج التنظيم وبالتالي هزيمته وكذلك طبيعة التكتيك المتبع في تلك المعارك ومن ثم عمليات التطهير والتعقب كذلك طبيعة الفصائل المسيطرة على منطقة القلمون والحاضنة الشعبية الموجودة في المنطقة، كما أن لجدية القوى الدولية في ملاحقة عناصر التنظيم وبالتالي عدم قدرتهم على تجميع انفسهم وتشكيل قوة ضاربة في المنطقة قد تطيل امد الصراع لسنوات قادمة.
فهل سينجح التنظيم في تغيير استراتيجيته واتخاذ مناطق جديدة يقوم فيها بعملياته ضد من يراهم أعدائه، لتكون منطلق لتوسعه مجدداً حيث هناك مناطق أخرى خارج الجغرافيا السورية، تعتبر مرشحة لتوسعه مثل سيناء المصرية وبعض مناطق ليبيا وتونس.
تغيير استراتيجية التنظيم وقدرته على استيعاب صدمة خسارة قادة الصف الأول له، تجعل المتتبع له يرى أن هزيمته لن تكون عسكرية وباستخدام القوة فقط، بل يجب ان تترافق بعملية متكاملة ثقافية فكرية توعوية دينية وأخلاقية ، بعيداً عن سياسات الاستبداد التي تمارسها الانظمة القمعية اتجاه شعوبها والتي انتجت ردود فعل عنيفة مثل ظهور تنظيم داعش.